السبت، 4 يونيو 2011

حياتهم ومماتهم ورود


وردة صالح الصالح
لقد بدأ صالح(1) زيارته الأسبوعية لعيادتي بتقديمه وردة بيضاء ذات رائحة منعشة. لا أعرف ما دفعه لتقديمها، فهي المرة الثانية فقط التي أراه فيها، لكن الشيء الوحيد الذي عرفته هو اللون الذي يطلي به صالح جدران قلبه الصافي البريء والرائحة التي يزيّن بها روحه العطرة. هل زكّى السرطان دمه ليوزّع هذه الأناقة على تصرفاته كلّها؟

صالح، 10 سنوات، وصل إلى الأسبوع 111 في رحلة علاجه الصعبة ضد سرطان الدم، بقي له أسابيع معدودة قبل إعلان نصره المظفّر إن شاء الله، لقد تعايش مع مرضه وصادقه، هو الآن يعرفه اللوكيميا أكثر منّي، فأنا قرأت عنها، ولاحظت أفعالها، أما هو فقد تفاعل معها على مدى الأيّام، صادقها في فراشه كما في رحلاته، في آلامه وآماله الكبيرة.

ليست هذه هديتي الأولى، فقد أهداني هؤلاء المقاتلون دروساً عتيدة في الحياة والموت. ليست حياتي بأسعد حياة، ولن يكون مماتي أسعد ممات.

إن النعم الكثيرة التي أعيش في كنفها من راحة في البال، واستقرار عائلي وسعة في المعيشة ليست شيئاً أمام قيمة الروح التي يحملها صلاح وأمثاله. أنا لم أقدّم يوماً وردة إلا لأحبابي، أما صالح فقد أهدى من يؤلمه في العلاج الشديد بسمة فوّاحة ووردة مشرقة. كان تفكّري دائماً في العطاء نظري، أما فكرته في الخير عمليّة، هو يعلم أن ما نكتب له من الأدوية الفتّاكة ستشفيه ربما بإذن الله، لكننا لم ندرك بعد ان مصاعب الحياة التي نعيش بها هي علامات في طريق النجاح، إن تفهّمناها وقدّمنا لها الورود، لا الاعتراضات. نحن لا نفهم الحياة كما يفهمها أطفال السرطان!

أما الممات، فلم أجد معايشاً له مثلهم، ولم أجد مقاتلاً ضدّه مثلي. هم يبتسمون وقد رؤوا فرصهم في النجاة ضئيلة، ونحن نبتسم وقد نرى فرص الفرار من الموت معدومة. هم يعملون وينتجون ويقدمون الورود وقد يعلمون أن أشهرهم أصبحت معدودة، ونحن نناضل ونكاسر ونشاغب في خطط وضعناها لعقود طويلة. فأيّ الفريقين أفقه لو كنتم تعلمون؟

لقد يبست الوردة على مكتبي بعد يومين، لكن رائحتها ما زالت في خاطري وقلبي، وستبقى ما دمت حيّاً اليوم وميّتاً قريباً!

--
توضيح: الشخصيات المشار إليها وهمية

هناك تعليق واحد:

  1. يعلم أن ما نكتب له من الأدوية الفتّاكة ستشفيه ربما بإذن الله، لكننا لم ندرك بعد ان مصاعب الحياة التي نعيش بها هي علامات في طريق النجاح، إن تفهّمناها وقدّمنا لها الورود، لا الاعتراضات. نحن لا نفهم الحياة كما يفهمها أطفال السرطان!

    جميل جداً

    ردحذف