الجمعة، 27 مايو 2011

يوم في حياة طبيب أورام الأطفال

ننجح معاً
تختلف أيام طبيب أورام الأطفال عن أيام الطبيب العام كاختلاف السرطان عن عموم الأمراض، السرطان مرض قاتل، وطبيب الأورام مريض مجاهد في وجه السفاح، السرطان مرض طويل النفس، وطبيب الأورام نَفَسه أقوى من نفس عداء الماراثون. الألم هنا أكبر، لكن النجاح أحلى!

يستيقظ "د. ناجح" عند السابعة صباحاً، يعلم أن يوماً طويلاً مجهداً -جسدياً ونفسياً- بانتظاره، لكن الأمل الذي يراه في عيون "فاطمة" يضرب أوتار عقله على أنغام "صَح صِح". في سيارته، يسترجع كلمات "جميلة" التي رفضت في الأمس تكملة علاجها الكيماوي، وهو يعلم أن رفضها هذا قد يودي بحياتها الربيعية في أشهر قليلة، يتذكر هنا صرخات ألمها وتعاستها مع الجلسات المتتالية التي أنهكت روحها وجسدها معاً. يضع خطة استراتيجية تقنع عقلها اليافع -18 عاماً- بالموافقة على سبيل النجاة الوحيد لها. 


يركن سيارته، يلقاه عند الموقف بطرس، والد "أميرة"، يبشّر الحكيم أنّه وفر لابنته حاجتها من صفيحات الدم للأيام القليلة القادمة. تتراءى بين عيني د. ناجح صورة "أميرة" التي تعدّ أيامها بل "ساعاتها" الأخيرة ربّما، يشعر بالخيبة والحزن. إنها بداية اليوم.

في المصعد إلى الطابق الرابع، يلتقي سعاد، ذات الخمس سنوات، تعاني من سرطان في الدم ومتلازمة داون، لكن علاجها يبشّر بالنجاح، بقي لها أسبوعان من الجرعات وتعود لحياتها "الطبيعية" لكن، مع متلازمة داون! هي بسيطة، وحبّابة. لا حلّ لعصبيتها سوى تواجده في الغرفة معها، هي تثق به كثيراً، وتشعر بالأمان عند رؤية عينيه، يا سعدها به، وسعده بها!

أثناء الجولة الصباحية، تشكو والدة دانيل أنها بدأت ترفض استخدام سوائل حماية الفم من الالتهابات، وهي الآن على أبواب أصعب مراحل العلاج وأقواها، الأسبوع التاسع عشر، والتي قد تسبب لها مضاعفات خطيرة إذا لم تستخدم هذه السوائل. يفرد د. ناجح 10 دقائق من الجولة لإقناع دانيل بالموافقة، هي توافق، وهو يخرج مسروراً بإنجازه الأول اليوم.

يتناول وجبة غدائه في مطعم عام قريب من المشفى، وجبة همبرغر، هو مُتخم بالـ "هم" ولا ينقصه إلا "البرغر"، هكذا أخبر الشيف في المطعم!

في الجولة المسائية مع الأطباء المساعدين، يضع د. ناجح خطة طوارئ لكل مريض في حالة الخطورة في المشفى، يخبرهم أنه متوافر متى أرادوا رأيه في الحالات المستعصية، وهو يفضّل أن يتّصلوا به بعد منتصف الليل ;) زوجته عادة لا تمانع ذلك :D

في طريقة من الطابق الرابع إلى موقف السيارات، يتلقى اتصالاً عاجلاً من قسم التصوير الشعاعي، إن مريضاً له هناك يتعرض لتوقف قلب مفاجئ، وينقل عاجلاً إلى العناية المشدّدة. إنها السابعة مساءً، هو في العناية المشدّدة يكتب جرعات العلاج الكيميائي الإسعافية للمريض فقد توقف قلبه بسبب حجم الورم الكبير في صدره. قد يتعرض لخطر توقف القلب مرة ثانية إذا لم يوفّر له جرعة "هذا المساء". أصبحت الآن الساعة التاسعة مساءً. تتناول زوجته العشاء لوحدها لليوم الثالث على التوالي!

يضع د. ناجح رأسه على مخدة الريش، وأيّ ريش؟ لا يعرف طراوته منذ زمن بعيد! تتغلغل بين ريشاتها ضحكات، همسات، آلام، دموع، إخفاقات ونجاحات. يخبر نفسه كل يوم في المنام، أنه ثابت على العهد، لن يبدّل تبديلاً، مهما جرت عليه الصعوبات، وواجهته المحن، هو سخّر حياته لخدمة الحياة قبل الموت، فاطمة تعلّمه دروساً عديدة كل يوم!

--
توضيح: الشخصيات المشار إليها وهمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق